فصل: (بَابُ الْهَدْيِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(بَابُ الْإِحْصَارِ):

الْإِحْصَارُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ يُقَالُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْمُحْرِمِ عَنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالدَّمِ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إذَا أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِعَدُوٍّ أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُضِيِّ حَلَّ لَهُ التَّحَلُّلُ) ذِكْرُ الْعَدُوِّ يَنْتَظِمُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَالسَّبْعَ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ بِحَبْسٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ وَكَذَا إذَا مَاتَ مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَكَذَا إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ أَوْ مَاتَتْ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْمَشْيِ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لَهُ ابْعَثْ بِشَاةٍ تُذْبَحُ بِالْحَرَمِ) أَوْ بِقِيمَتِهَا وَلَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْحَرَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ فِي الْحِلِّ فَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ وَذَبَحَ مَكَانَهُ حَلَّ وَإِنْ ذَبَحَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ لَمْ يَذْبَحْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَاعَدَهُمْ فِيهِ فَحَلَّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْلَالِهِ وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ كَمَا كَانَ حَتَّى يَذْبَحَ عَنْهُ فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيَيْنِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِذَبْحِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَالْآخَرُ يَكُونُ تَطَوُّعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَارِنًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (وَوَاعَدَ بِهَا مَنْ يَحْمِلُهَا لِيَوْمٍ بِعَيْنِهِ) إنَّمَا يُوَاعَدُهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ لَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَحَلَّلُ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ يَتَحَلَّلُ بِالْحَلْقِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيلَ الْحَلْقُ وَاجِبٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا وَالتَّحَلُّلُ يَقَعُ بِالذَّبْحِ عِنْدَنَا وَهَذَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ كَذَا فِي شَرْحِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَعَلَ أَدْنَى مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ لِيَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ قَارِنًا بَعَثَ بِدَمَيْنِ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامَيْنِ فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ بِهِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُحْصَرُ الْهَدْيَ فَهُوَ مُحْرِمٌ إلَى أَنْ يَجِدَهُ أَوْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ يُقَوَّمُ الْهَدْيُ بِالطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا فَإِنْ أَدْرَكَ الْمُحْصَرُ هَدْيَهُ بَعْدَمَا بَعَثَ بِهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ بَعَثَ هَدْيَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ ذُبِحَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يُذْبَحْ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ الْإِحْصَارِ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَيَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَكَذَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِمُحْصَرٍ بِالْحَجِّ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ) اعْتِبَارًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} فَخَصَّهُ بِمَكَانٍ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِزَمَانٍ وَلِأَنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الذَّبْحُ مَتَى شَاءَ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يَخْتَصُّ التَّحَلُّلُ مِنْهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَخْتَصُّ هَدْيُ الْإِحْصَارِ فِيهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) هَذَا إذَا قَضَى الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ أَمَّا إذَا قَضَاهُ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْهَا مُتَحَقِّقٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَحَقَّقُ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّتُ لَنَا أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا عُمَّارًا فَحَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ} فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَلَقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قُلْت ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْمُحْصَرَ إنَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَحْلِقُ لِأَنَّ الْحَلْقَ عِنْدَهُمَا مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحْصَرًا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَبَعْضُهَا مِنْ الْحَرَمِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) أَمَّا الْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُفْرِدِ وَالثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْرُنْ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا قَرَنَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُمْرَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا فِي الْمُفْرِدِ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَعَثَ الْمُحْصَرُ هَدْيًا وَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوهُ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ) لِزَوَالِ الْعَجْزِ فَإِذَا أَدْرَكَ هَدْيَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ دُونَ الْحَجِّ تَحَلَّلَ) بِذَبْحِ الْهَدْيِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ دُونَ الْهَدْيِ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ اسْتِحْسَانًا) وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَمَنْ يُدْرِكُ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الْهَدْيَ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ تَوْقِيتِ الدَّمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَهُ وَذَكَرَ الْمَكِّيُّ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ يُتَصَوَّرُ أَيْضًا عَلَى الْإِجْمَاعِ كَمَا إذَا أُحْصِرَ فِي عَرَفَةَ وَأَمَرَهُمْ بِالذَّبْحِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ فَزَالَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ دُونَ الْهَدْيِ لِأَنَّ الذَّبْحَ بِمِنًى وَلَوْ أَنَّ الْمُحْصَرَ ذَهَبَ إلَى الْقَضَاءِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ بَعْدَمَا تَحَلَّلَ بِالذَّبْحِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَكَّةَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ كَانَ مُحْصَرًا) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ أَيْضًا فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ) أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ دُونَ الْوُقُوفِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَلَا يَكُونُ مُحْصَرًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْصَرًا هَلْ يَتَحَلَّلُ قِيلَ لَا لِأَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ فِي مَكَانِهِ يَقَعُ التَّحَلُّلُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَهُوَ إنَّمَا شُرِعَ فِي الْحَرَمِ وَلَوْ أَخَّرَ التَّحَلُّلَ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ يَقَعُ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْحَلْقِ وَالتَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ أَهْوَنُ مِنْ التَّأْخِيرِ عَنْ الْمَكَانِ فَيُؤَخِّرُ الْحَلْقَ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ وَقِيلَ يَتَحَلَّلُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْحِلِّ رُبَّمَا يَمْتَدُّ الْإِحْصَارُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَيَفُوتُ عَنْهُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ جَمِيعًا فَتَحَمُّلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(بَابُ الْفَوَاتِ):

الْفَوَاتُ عَدَمُ الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَإِنَّمَا قَالَ هُنَا الْفَوَاتِ مُفْرَدًا وَفِي الصَّلَاةِ الْفَوَائِتِ جَمْعًا لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ جَمْعٌ وَالْحَجَّ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) لِأَنَّ الْحَجَّ عَرَفَةَ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَتَحَلَّلَ وَيَقْضِيَ الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّحَلُّلَ وَقَعَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ فِي حَقِّ فَائِتِ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى هَذَا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ عَمَلُ عُمْرَةٍ مُؤَدَّاةٍ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً وَفَائِدَتُهُ لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى تَلْزَمُهُ وَيُؤَدِّيهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ضَمَّ حَجَّةً إلَى عُمْرَةٍ وَعِنْدَهُمَا ضَمَّ حَجَّةً إلَى حَجَّةٍ فَيَلْزَمُهُ رَفْضُهَا ثُمَّ يَقْضِيهَا وَفَائِدَةٌ أُخْرَى أَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ تُسْقِطُ عَنْهُ الْعُمْرَةَ الَّتِي تَلْزَمُهُ فِي عُمُرِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَسْقُطُ فَإِنْ كَانَ قَارِنًا أَدَّى الْعُمْرَةَ أَوَّلًا لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ فَإِذَا أَتَى بِهَا فَقَدْ أَتَى بِهَا فِي وَقْتِهَا.
وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَفُوتُ فَإِذَا فَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَبَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجِّهِ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَإِنْ جَامَعَ فِي إحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ وَكَذَا إذَا قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ) الْعُمْرَةُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ إحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ اثْنَانِ مِنْهَا رُكْنَانِ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَاثْنَانِ مِنْهَا وَاجِبَانِ السَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَالرُّكْنُ لَا يَجُوزُ عَنْهُ الْبَدَلُ وَالْوَاجِبُ يَجُوزُ عَنْهُ الْبَدَلُ إذَا تَرَكَهُ وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ سُنَنٌ وَآدَابٌ فَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) يَعْنِي يُكْرَهُ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ أَمَّا إذَا أَدَّاهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ كَمَا إذَا كَانَ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَأَدَّى الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا كُرِهَتْ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ لِأَنَّ هَذِهِ أَيَّامَ الْحَجِّ فَكَانَتْ مُتَعَيِّنَةً لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ وَالْأَظْهَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِغَيْرِهَا وَهُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْحَجِّ وَتَخْلِيصُ وَقْتِهِ لَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) هَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْوَتْرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرِيضَةٌ لَنَا أَنَّهَا غَيْرُ مُوَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ وَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ وَهَذِهِ آيَةُ النَّفْلِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ) الْإِحْرَامُ شَرْطُهَا وَالطَّوَافُ رُكْنُهَا وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَاجِبَانِ فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا طَوَافُ الصَّدَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(بَابُ الْهَدْيِ):

الْهَدْيُ اسْمٌ لَمْ يُهْدَى إلَى مَكَان وَهُوَ الْحَرَمُ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْهَدْيُ أَدْنَاهُ شَاةٌ وَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا إلَّا الضَّأْنَ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ وَمِنْ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ وَمِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ السَّنَةِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اخْتَلَطَ بِالثَّنَايَا اشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى إذَا اسْتَوَيَا وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا وَالْجَوَامِيسُ كَالْبَقَرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ مَقْطُوعُ الْأُذُنِ وَلَا أَكْثَرِهَا) وَلَا مَنْ لَا أُذْنَ لَهَا خِلْقَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً جَازَ ثُمَّ الذَّاهِبُ مِنْ الْأُذُنِ إنْ كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا الثُّلُثُ فِي حُكْمِ الْقَلِيلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ جَازَ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثُّلُثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْأُذُنِ أَكْثَرَهَا جَازَ وَإِنْ ذَهَبَ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فِي النِّصْفِ اسْتَوَى الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَقْطُوعَةُ الذَّنَبِ وَلَا الْيَدِ وَلَا الرِّجْلِ) وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُذُنِ وَكَذَا الْأَنْفُ وَالْأَلْيَةُ مِثْلُهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الذَّاهِبَةُ الْعَيْنِ) أَيْ الذَّاهِبَةُ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّ {النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا} فَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ قَلِيلًا جَازَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ تُسَدَّ الْعَيْنُ الْمَعِيبَةُ بَعْدَ أَنْ لَا تُعْلَفَ الشَّاةُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُقَرِّبُ الْعَلَفَ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان عَلَّمَ ذَلِكَ الْمَكَانَ ثُمَّ تُسَدُّ عَيْنُهَا الصَّحِيحَةُ وَيُقَرِّبُ الْعَلَفَ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان عَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَالذَّاهِبُ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ نِصْفًا فَالذَّاهِبُ النِّصْفُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الْعَجْفَاءُ) وَهِيَ الْهَزِيلَةُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا) (الْعَرْجَاءُ) الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسِكِ بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ الْمَذْبَحِ فَإِنْ كَانَ عَرَجُهَا لَا يَمْنَعُهَا عَنْ الْمَشْيِ جَازَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعُيُوبُ مَوْجُودَةً قَبْلَ الذَّبْحِ أَمَّا إذَا أَصَابَهَا ذَلِكَ فِي حَالَةِ الذَّبْحِ بِالِاضْطِرَابِ أَوْ انْفِلَاتِ السِّكِّينِ فَأَصَابَتْ عَيْنَهَا أَوْ كَسَرَتْ رِجْلَهَا جَازَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَالْخَصِيُّ جَائِزٌ فِي الْهَدْيِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمِّنُهُ وَيُطَيِّبُ لَحْمَهُ وَالْقَرْنُ إذَا كَانَ مَكْسُورًا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْكُولٍ وَيَجُوزُ التَّوْلَاءُ وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ لِأَنَّ الْعَقْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي الْبَهَائِمِ وَيَجُوزُ الْهَتْمَاءُ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ وَهِيَ ذَاهِبَةُ الْأَسْنَانِ وَلَا تَجُوزُ الْمَرِيضَةُ.
قَوْلُهُ: (وَالشَّاةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ مَنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) قَبْلَ الْحَلْقِ وَقَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ) مِنْ الْغَنَمِ وَكَذَا عَنْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يُرِيدُ الْقُرْبَةَ) وَلَوْ اخْتَلَفَ وُجُوهُ الْقُرَبِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ الْقُرَبِ وَاخْتِلَافِهَا بِأَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمْ الْمُتْعَةَ وَالْآخَرُ الْقِرَانَ وَالثَّالِثُ التَّطَوُّعَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقُرَبِ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ الشَّاةُ قُلْت مَا كَانَ أَكْثَرُهُمَا لَحْمًا فَهُوَ أَفْضَلُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ لَمْ يَجُزْ لِلْبَاقِينَ) وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ ذِمِّيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) يَعْنِي بِالتَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ الْغَنِيَّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ) (الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا) كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ وَالتَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ) الدِّمَاءُ فِي الْمَنَاسِكِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ دَمُ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إجْمَاعًا وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ دَمُ الْإِحْصَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا أَنَّ ذَبْحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إلَّا فِي الْحَرَمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَقَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} فَصَارَ أَصْلًا فِي كُلِّ دَمٍ هُوَ كَفَّارَةٌ وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ) إلَّا أَنَّ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) وَهُوَ حَمْلُ الْهَدَايَا إلَى عَرَفَةَ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِعَلَامَةٍ مِثْلَ التَّقْلِيدِ وَإِنْ عَرَّفَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالتَّطَوُّعِ فَحَسَنٌ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَعَسَى لَا يَجِدُ مَنْ يَمْسِكُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُعَرِّفَ بِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الشُّهْرَةِ بِخِلَافِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السِّتْرُ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ فِي الْبُدْنِ النَّحْرُ) فَإِنْ شَاءَ نَحَرَهَا قِيَامًا وَإِنْ شَاءَ أَضْجَعَهَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى وَلَا يَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ قِيَامًا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الْإِضْجَاعِ الْمَذْبَحَ أَبْيَنُ فَيَكُونُ الذَّبْحُ أَيْسَرَ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَقَالَ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} وَالذِّبْحُ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ وَأَرَادَ بِهِ الْغَنَمَ فَلَوْ ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أَجْزَأَهُ إذَا اسْتَوْفَى الْعُرُوقَ وَيُكْرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْإِنْسَانُ ذَبْحَهَا بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ) لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ وَلَّى غَيْرَهُ وَيَقِفُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَرُوِيَ أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَنَحَرَ مِنْهَا نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ}.
قَوْلُهُ: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا) الْجِلَالُ جَمْعُ جِلٍّ وَهُوَ كَالْكِسَاءِ يَقِي الْحَيَوَانَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْطِي أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) وَكَذَا لَا يَبِيعُ جِلْدَهَا فَإِنْ عَمِلَ الْجِلْدَ شَيْئًا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ كَالْفِرَاشِ وَالْغِرْبَالِ وَالْجِرَابِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ بَاعَ الْجِلْدَ أَوْ اللَّحْمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسٍ أَوْ حِنْطَةٍ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مِلْحًا وَلَا أَبْزَارًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطَرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا) فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ وَنَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَتَصَدَّقَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا) لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا بِالسَّوْقِ وَبِالرُّكُوبِ يَصِيرُ كَالْمُرْتَجِعِ لَهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْلُبْهَا) فَإِنْ حَلَبَهَا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ) يُنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ وَالنَّضْحُ هُوَ الرَّشُّ وَهَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْبَهِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَوْقُهُ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ) وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَسَطِ إلَى الرَّدَاءَةِ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ وَهَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الْمَعِيبُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا) مَعْنَى عَطِبَتْ قَرُبَتْ مِنْ الْعَطَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ نَحَرَهَا فَإِنْ قُلْت هَذَا تَكْرَارٌ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ قُلْت الْأُولَى فِي الْهَدْيِ مُطْلَقًا وَهَذَا فِي الْبَدَنَةِ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ بَعْدَمَا دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الْعُمُومِ أَوْ يُقَالُ ذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَفْعَلُ بِالْعَاطِبِ فَأَعَادَ ذِكْرَهُ لِبَيَانِ مَا يَفْعَلُ بِهِ أَوْ يُقَالُ الْأُولَى فِي الْعَاطِبِ الَّذِي لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَبْحٌ وَهُنَا الَّذِي قَارَبَ الْعَطَبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ نَحَرَهَا وَالنَّحْرُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَيِّ.
قَوْلُهُ: (وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهَا) الْمُرَادُ بِالنَّعْلِ قِلَادَتُهَا وَعَلَى هَذَا رِوَايَةُ نَعْلَهَا فَإِنْ كَانَ نَعْلَهُ فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى الْهَدْيِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْلُ الْمُهْدِي وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَتَهَا) أَيْ جَانِبَ عُنُقِهَا.
وَفِي الْهِدَايَةِ صَفْحَةَ سَنَامِهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَقَامَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ صَالِحَةً لِمَا عَيَّنَهُ وَهُوَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) وَكَذَا الْهَدْيُ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْهَدْيِ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ أَمَّا الْغَنَمُ فَلَا يُقَلِّدُ وَكُلَّمَا يُقَلَّدُ يُخْرَجُ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ وَمَا لَا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْإِحْصَارِ وَلَا دَمَ الْجِنَايَاتِ) لِأَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ فَيُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيُسْتَحَبُّ إظْهَارُهُ فَلَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ وَدَمَ الْجِنَايَاتِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(مَسَائِلُ) خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ تُوجِبُ الْوُصُولَ إلَى مَكَّةَ وَالْإِحْرَامِ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ:

الْأَوَّلُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ الثَّانِي لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الثَّالِثُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ الرَّابِعُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ الْخَامِسُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْخَمْسَةُ تُوجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً بِالْإِجْمَاعِ وَسِتَّةُ أَلْفَاظٍ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ الْأَوَّلُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْخُرُوجُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الثَّانِي لِلَّهِ عَلَيَّ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الثَّالِثُ لِلَّهِ عَلَيَّ السَّيْرُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الرَّابِعُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْإِتْيَانُ إلَى مَكَّةَ الْخَامِسُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ السَّادِسُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَاتٍ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَفْظَانِ لَا يُوجِبَانِ عَلَيْهِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الثَّانِي لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.(كِتَابُ الْبُيُوعِ):

إنَّمَا عَقَّبَ الْبَيْعَ بِالْعِبَادَاتِ وَأَخَّرَ النِّكَاحَ لِأَنَّ احْتِيَاجَ النَّاسِ إلَى الْبَيْعِ أَعَمُّ مِنْ احْتِيَاجِهِمْ إلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْبَقَاءُ بِالْبَيْعِ أَقْوَى مِنْ الْبَقَاءِ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ بِهِ تَقُومُ الْمَعِيشَةُ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْأَجْسَامِ وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الْبَيْعِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ عِبَادَةٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِنَفْلِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى التَّوْحِيدِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ الْمُوَحِّدِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُصِيبٌ فِي مَقْصِدِهِ وَالْبَيْعُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ مَالٍ بِمَالٍ آخَرَ وَكَذَا فِي الشَّرْعِ لَكِنْ زِيدَ فِيهِ قَيْدُ التَّرَاضِي لِمَا فِي التَّغَالُبِ مِنْ الْفَسَادِ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَيُقَالُ هُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي مَالَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ كَالشَّيْخِ وَأَصْحَابِهِ وَقِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَهُوَ قَوْلُ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَصْحَابِهِ وَفَائِدَتُهُ انْعِقَادُهُ بِالتَّعَاطِي فِي النَّفِيسِ فَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَنْعَقِدُ وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَنْعَقِدُ وَأَمَّا فِي الْخَسِيسِ فَيَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي إجْمَاعًا مِثْلَ شِرَاءِ الْبَقْلِ وَالْخُبْزِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّرَاضِي.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) الِانْعِقَادُ عِبَارَةٌ عَنْ انْضِمَامِ كَلَامِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَالْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ أَثَرٍ شَرْعِيٍّ يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ الْعَاقِدُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ وَلَمْ يَقُلْ الْبَيْعُ هَذَانِ اللَّفْظَانِ وَالْإِيجَابُ هُوَ الْإِثْبَاتُ لِأَنَّهُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَتْ الْآنَ بِقَوْلِهِ بِعْت وَالْقَبُولُ هُوَ اللَّفْظُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ جَوَابٌ لِلْأَوَّلِ فَالْإِيجَابُ مِثْلَ قَوْلِهِ بِعْت أَوْ أَعْطَيْت أَوْ هَذَا لَك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْقَبُولُ مِثْلَ اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت أَوْ أَخَذْت أَوْ أَجَزْت أَوْ رَضِيت أَوْ قَبَضْت وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَادِي الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ كَمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ هُوَ لَك فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْبَيْعُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي) أَمَّا إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ اشْتَرَيْت فَلَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي بِعْ مِنِّي فَيَقُولُ بِعْت فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ ثَانِيًا اشْتَرَيْت وَأَمَّا النِّكَاحُ فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) وَهَذَا يُسَمَّى خِيَارُ الْقَبُولِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ فَإِنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ عَلَى دَابَّةٍ فِي مَحْمَلٍ أَوْ عَلَى دَابَّتَيْنِ إنْ أَخْرَجَ الْمُخَاطَبُ جَوَابَهُ مُتَّصِلًا بِخِطَابِ صَاحِبِهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَإِنْ فَصَلَهُ عَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ قَلَّ وَالسَّيْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالسَّيْرِ مِنْهُمَا وَإِنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا وَاقِفَانِ فَسَارَا أَوْ سَارَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ خِطَابِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ تَبَايَعَا فِي السَّفِينَةِ وَهِيَ تَسِيرُ فَوُجِدَتْ سَكْتَةٌ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الِانْعِقَادَ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُمَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَالَ هُوَ حُرٌّ فَهُوَ قَبُولٌ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ وَأَمَّا إذَا قَالَ وَهُوَ حُرٌّ بِالْوَاوِ أَوْ هُوَ حُرٌّ بِغَيْرِ الْوَاوِ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّوْقِيتِ وَالْإِبْهَامُ يُبْطِلُهَا ثُمَّ لَا بُدَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ بَيْعًا وَإِنْ حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ.
قَوْلُهُ: (وَأَيُّهُمَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ) لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُمْ وَلَكِنْ تَشَاغَلَ فِي الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْبَيْعِ بَطَلَ الْإِيجَابُ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَقَعَدَ ثُمَّ قَبِلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ بِالْقُعُودِ لَمْ يَكُنْ مُعْرِضًا.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ الْبَيْعُ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ الْمُثَمَّنِ قَالَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَلَمَّا أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ قَبِلْت قَالَ الْبَائِعُ رَجَعْت وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا فَالْفَسْخُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ وَإِذَا قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِكَذَا فَقَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ قَبِلْت فِي بَعْضِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ فَرَّقَ الْإِيجَابَ فَقَالَ أَبِيعُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِعْتُك هَذَا بِمِائَةٍ وَهَذَا بِمِائَتَيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَبُولِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ هُنَاكَ الْإِيجَابَ فِيهِمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ يَعْنِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ رَضِيَ الْآخَرُ بِالْفَسْخِ أَوْ لَمْ يَرْضَ وَقَوْلُهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ وَكَذَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا خَصَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَعَدَمَ الرُّؤْيَةِ مَعَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مَانِعٌ لُزُومَ الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا فِي كُلِّ بَيْعٍ يُوجَدَانِ أَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ فَعَارِضٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ بِالْإِشَارَةِ كِفَايَةٌ فِي التَّفْرِيقِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّةِ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ جَهَالَةِ مِقْدَارِهَا وَإِنْ أُشِيرَ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا كَمَا إذَا بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ تَسَاوِيهِمَا وَقَوْلُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ احْتِرَازًا عَنْ السَّلَمِ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِيهِ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ وَقَوْلُهُ وَالْأَعْوَاضُ سَمَّاهَا أَعْوَاضًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَصِرْ عِوَضًا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ عِوَضًا بَعْدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَإِنَّمَا يَصِيرَانِ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ) صُورَةُ الْمُطْلَقَةِ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت مِنْك بِذَهَبٍ أَوْ بِفِضَّةٍ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ بِذُرَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا وَلَا صِفَةً.
وَفِي الْيَنَابِيعِ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْت هَذَا مِنْك بِثَمَنٍ أَوْ بِمَا يُسَاوِي فَيَقُولَ اشْتَرَيْت فَهَذَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْرَ الثَّمَنِ وَصِفَتَهُ فَالْقَدْرُ مِثْلُ عَشَرَةٍ أَوْ عِشْرِينَ وَالصِّفَةُ مِثْلُ بُخَارِيٍّ أَوْ سَمَرْقَنْدِيٍّ أَوْ جَيِّدٍ أَوْ وَسَطٍ أَوْ رَدِيءٍ وَقَوْلُهُ مُطْلَقَةً احْتِرَازٌ عَنْ كَوْنِهَا مُشَارًا إلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا) إنَّمَا قَيَّدَ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْبَائِعِ فِي تَأْجِيلِهَا لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْعَقْدُ يُوجِبُ تَسْلِيمَهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهَا وَلَا كَذَلِكَ الثَّمَنُ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَجَلِ فِي الدُّيُونِ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ اتِّسَاعُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ فِيهَا فَلِذَلِكَ جَازَ فِيهِ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا أَثَّرَ فِي التَّسْلِيمِ فَيُطَالِبُهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَالْمُشْتَرِي فِي بِعِيدِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَقَلِّ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّعْوَى.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ كَانَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) مَعْنَاهُ ذَكَرَ قَدْرَ الثَّمَنِ وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَتَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْبَلَدِ دَرَاهِمُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ وَتَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ الَّتِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا فِي الْبَلَدِ غَالِبًا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ أَيْ أَطْلَقَهُ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ وَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَدْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَيْنَ تِلْكَ الْأُولَى فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ فَبَانَ لَك أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ عَنْ ذِكْرِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَأَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ مُطْلَقٌ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لَا غَيْرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقُلْ بُخَارِيَّةً أَوْ غِطْرِيفِيَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يَخْتَلِفَانِ فِي أَحْكَامٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَجُوزُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمِنْهَا أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَهَلَاكَ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ عَلَى عَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا هَلَكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَقِيَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَحَدَهَا) يَعْنِي مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ التَّعَامُلَ بِهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ سَوَاءً فِي الْمَالِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ وَيُصْرَفُ إلَى مَا قُدِّرَ بِهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ التُّرْكِيِّ وَالْخَلِيفَتِيِّ فَإِنَّ الْخَلِيفَتِيَّ كَانَ أَفْضَلَ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ التُّرْكِيِّ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَتْ سَوَاءً فِي الْمَالِيَّةِ مَعْنَاهُ كَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ وَالثُّنَائِيُّ مَا كَانَ اثْنَانِ مِنْهُ دَانِقًا وَالثُّلَاثِيُّ مَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مِنْهُ دَانِقًا فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا مُكَايَلَةً وَمُجَازَفَةً) يَعْنِي إذَا بَاعَهَا بِخِلَافِ جِنْسِهَا أَمَّا بِجِنْسِهَا مُجَازَفَةً فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا وَالْمُجَازَفَةُ هِيَ أَخْذُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَكَذَا الْقِسْمَةُ إذَا وَقَعَتْ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا تَجُوزُ مُجَازَفَةً أَيْضًا لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ اسْمُ الطَّعَامِ فِي الْعُرْفِ يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحُبُوبِ بَعْدَ الطَّعَامِ تَكْرَارًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْحُبُوبِ مَا سِوَى الْحِنْطَةِ كَالذُّرَةِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَبِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) هَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ خَزَفٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مِلْءَ هَذَا الطَّشْتِ أَوْ مِلْءَ هَذِهِ الْقَصْعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِمَا أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فِيهِ التَّسْلِيمَ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ فَيَنْدُرُ هَلَاكُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ وَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْجُوَالِقِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَحْسَنَ فِي قُرْبِ الْمَاءِ وَأَجَازَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ كَذَا كَذَا قِرْبَةً بِهَذِهِ الْقِرْبَةِ وَعَيَّنَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَبِوَزْنِ حَجَرٍ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) هَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ وَالْحَجَرُ بِحَالِهِمَا أَمَّا لَوْ تَلِفَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَبْلَغَ مَا بَاعَهُ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ بِوَزْنِ هَذِهِ الْبِطِّيخَةِ أَوْ هَذَا الطِّينِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا) وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الصَّرْفُ إلَى الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيُصْرَفُ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ إلَّا أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرُ الْقُفْزَانِ فَجُهِلَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَسْمِيَتُهُ لِكُلِّ قَفِيزٍ دِرْهَمًا لَا يُوجِبُ مَعْرِفَتَهُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الثَّانِي وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ ثُمَّ إذَا جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْقَفِيزَانِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.
وَكَذَا إذَا كِيلَ الطَّعَامُ فِي الْمَجْلِسِ وَعُرِفَ مَبْلَغُهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلِمَ بِذَلِكَ الْآنَ فَلَهُ الْخِيَارُ أَمَّا إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ الْكَيْلِ وَكِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَسَادَ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ كَلِمَةَ كُلِّ إلَى مَا لَا يُعْلَمُ مُنْتَهَاهُ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى وَهُوَ الْوَاحِدُ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُلُّ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا لَا يَكُونُ مُنْتَهَاهُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا يُعْلَمُ جُمْلَتُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَالْعَقْدُ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنْ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ فَثَمَنُ جَمِيعِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي جَمِيعِهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ وَكَذَا كُلُّ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٍ هُمَا قَاسَاهُ عَلَى الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَهُوَ يَصْرِفُ الْعَقْدَ إلَى الْوَاحِدِ عَلَى أَصْلِهِ إلَّا أَنَّ بَيْعَ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لَا يَصِحُّ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الشِّيَاهِ وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيهِ وَتُفْضِي إلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ كُلَّ شَاتَيْنِ مِنْهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَسَمَّى جُمْلَتَهُ مِائَةً لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا سَمَّى يَعْنِي وَإِنْ عَلِمَ الْجُمْلَةَ فِي الْمَجْلِسِ وَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَجْهُولٌ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا تُعْرَفُ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهَا أُخْرَى وَلَا يَدْرِي أَيَّ شَاةٍ يَضُمُّ إلَيْهَا فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهَا أَرْدَأَ مِنْهَا تَكُونُ حِصَّتُهَا أَكْثَرَ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا أَجْوَدَ مِنْهَا تَكُونُ حِصَّتُهَا أَقَلَّ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ شَاةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ وَجَدَهَا مِائَةً فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً لَزِمَهُ كُلُّ شَاةٍ بِدِينَارٍ وَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مُذَارَعَةً كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ) فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا يَصِحُّ فِي ذِرَاعٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الذِّرَاعَ مِنْ الثَّوْبِ يَخْتَلِفُ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ عَلَى الْبَائِعِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيرٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِالْمَوْجُودِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَالْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهُمَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْأَطْرَافِ فِي الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ الْقَدْرِ فِي الصُّبْرَةِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ هُنَا لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ الذِّرَاعِ الَّذِي سَمَّاهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ فِيهِ فَهُوَ مِثْلُ صِفَةِ أَطْرَافِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ أَعْوَرُ أَوْ مَقْطُوعُ الْيَدِ فَوَجَدَهُ صَحِيحًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فَوَجَدَهُ أَعْوَرَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَوَجَدَهَا بِكْرًا فَهِيَ لَهُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا) لِأَنَّ الْوَصْفَ هُنَا صَارَ أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فَنَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَإِنَّمَا قَالَ بِعْتُكهَا فَأَنَّثَ الضَّمِيرَ وَقَدْ ذَكَرَ لَفْظَ الثَّوْبِ عَلَى تَأْوِيلِ الثِّيَابِ أَوْ الْمَذْرُوعَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) وَإِذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ جَازَ إجْمَاعًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا هُوَ عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُ بِعَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَفِي الثَّانِي يَأْخُذُهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّلِ بِأَحَدَ عَشَرَ إنْ شَاءَ وَفِي الثَّانِي بِعَشَرَةٍ إنْ شَاءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ جَعَلَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ لِأَبِي يُوسُفَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ بِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ فِي الْعُرْفِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي الدَّارِ مِنْ صِفَاتِهَا وَصِفَاتُ الْمَبِيعِ تَابِعَةٌ لَهُ ثُمَّ إذَا بَاعَ الدَّارَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ جَمِيعُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ بُيُوتٍ وَمَنَازِلَ وَعُلْوٍ وَسُفْلٍ وَمَطْبَخٍ وَبِئْرٍ وَكَنِيفٍ وَجَمِيعِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا حُدُودُهَا الْأَرْبَعُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا دَخَلَ مَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْقَرَارِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا غَايَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ النَّخِيلُ مُثْمِرَةً وَقْتَ الْعَقْدِ وَشَرَطَ الثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ النَّخْلِ كَذَلِكَ وَقِيمَةُ الثَّمَرَةِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا إجْمَاعًا فَلَوْ فَاتَتْ الثَّمَرَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ أَكَلَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يُطْرَحُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا فَبِفَوَاتِهَا تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْعَقْدِ وَأَثْمَرَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى النَّخْلِ خَاصَّةً بَيَانُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ النَّخْلِ كَذَلِكَ وَالثَّمَرَةُ كَذَلِكَ فَأَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ طُرِحَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْخِيَارُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُطْرَحُ عَنْهُ رُبُعُ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ النَّخْلَ قُسِمَ عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّمَرَةِ نِصْفَيْنِ فَكَانَ حِصَّتُهُ الرُّبُعَ وَلَوْ فَاتَتْ الثَّمَرَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُطْرَحُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ سَمَّى لِلنَّخْلِ خَمْسَمِائَةٍ وَلِلْأَرْضِ كَذَلِكَ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّخْلِ خَاصَّةً إجْمَاعًا فَإِذَا أَكَلَهُ الْبَائِعُ طُرِحَ مِنْ الثَّمَنِ رُبُعُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْفَصْلِ فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهَا وَلِأَنَّ لَهُ غَايَةً يَنْتَهِي إلَيْهَا بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا بَيْعُ جَارِيَةٍ لَهَا حَمْلٌ فِي بَطْنِهَا أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ لَهُمَا حَمْلٌ فِي بُطُونِهِمَا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ اتِّصَالُهُ بِالْأُمِّ لِلْفَصْلِ لَا مَحَالَةَ وَلَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فَكَيْفَ دَخَلَ الْوَلَدُ وَلَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ عَلَى فَصْلِ الْوَلَدِ مِنْ أُمِّهِ وَوُجِدَتْ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ مِنْهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ انْفِصَالُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ الْبَائِعِ مِنْ فَصْلِهِ وَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَصْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرَةٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ) بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا الشَّجَرَ مَعَ ثَمَرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً أَوْ لَا فِي كَوْنِهَا لِلْبَائِعِ عِنْدَنَا وَالتَّأْبِيرُ هُوَ التَّلْقِيحُ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ لَهُ اقْطَعْهَا وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ) وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُهُ وَتَسْلِيمُهُ وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِنَخْلَةٍ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهَا ثَمَرٌ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي أُجْبِرَ الْوَرَثَةُ عَلَى قَطْعِ الثَّمَرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ ثِيَابُهُ الَّتِي لِلْمِهْنَةِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الثِّيَابُ النَّفِيسَةُ الَّتِي لَبِسَهَا لِلْعَرْضِ وَكَذَا إذَا بَاعَ دَابَّةً لَا يَدْخُلُ سَرْجُهَا وَلِجَامُهَا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا أَوْ قَدْ بَدَا جَازَ الْبَيْعُ) سَوَاءٌ أُبِّرَتْ أَمْ لَا وَبَدْوُ الصَّلَاحِ صَيْرُورَتُهُ صَالِحًا لِتَنَاوُلِ بَنِي آدَمَ أَوْ لِعَلْفِ الدَّوَابِّ وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى وَلَدَ جَارِيَةٍ مَوْلُودًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَالِ.
قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ) تَفْرِيقًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ هَذَا إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَمَّا إذَا اُشْتُرِطَ تَرْكُهَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَرْطُ شَغْلِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ إعَارَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فِي بَيْعٍ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ زِيَادَةَ مَالٍ يَحْصُلُ لَهُ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْبَيْعِ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَكَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْكِ وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ وَإِنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ بِأَنْ تُقَوَّمَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَيُقَوَّمَ بَعْدَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا يَتَنَاهَى عِظَمُهَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ لَا تُحَقِّقُ زِيَادَةً أَيْ تَغَيُّرُ حَالَةٍ مِنْ النِّيءِ إلَى النُّضْجِ لَا تَحَقُّقُ زِيَادَةٍ فِي الْجِسْمِ وَإِنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَاسْتَأْجَرَ النَّخْلَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ لِحُصُولِ الْإِذْنِ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تَعَامُلَ فِيهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ وَاسْتَأْجَرَ مِنْ الْبَائِعِ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرَكَ وَتَرَكَهُ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ لِأَنَّهَا إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهَا الْمُسَمَّى وَيَطِيبُ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ قَدْرُ مَا ضَمِنَ مِنْ الثَّمَنِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً) هَذَا إذَا بَاعَهَا عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ أَمَّا إذَا كَانَ مَجْذُوذًا فَبَاعَ الْكُلَّ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَقَوْلُهُ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَوْ كَانَ رَطْلًا وَاحِدًا يَجُوزُ كَذَا فِي شَاهَانْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ فِيمَا سِوَى تِلْكَ الشَّاةِ وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّهُ عَلَى أَنَّ لِي مِنْهُ هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ التَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَكَانَتْ الشَّاةُ الَّتِي عَيَّنَهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي الْبَيْعِ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ لِي هَذِهِ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فَإِنَّهَا دَخَلَتْ أَوَّلًا فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَتِلْكَ الْحِصَّةُ مَجْهُولَةٌ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَنَظِيرُ هَذَا مَا إذْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ إلَّا عُشْرَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ وَلَوْ قَالَ بِعْته بِكَذَا عَلَى أَنَّ لِي عُشْرَهُ لَمْ يَصِحَّ لِهَذَا الْمَعْنَى.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَالْبَاقِلَاءُ فِي قِشْرِهَا) وَكَذَلِكَ السِّمْسِمُ وَالْأُرْزُ وَهَذَا إذَا بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَمَّا بِجِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا فِي السُّنْبُلِ وَدَقُّ السُّنْبُلِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَوَصَّلُ بِهِ الْبَائِعُ إلَى الْإِقْبَاضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ يَعْنِي إذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً وَلَوْ بَاعَ تِبْنَ الْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِتِبْنٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ تِبْنًا بِالدَّقِّ فَقَدْ بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَفَاتِيحُ إغْلَاقِهَا) يَعْنِي مَفَاتِيحَ الْإِغْلَاقِ الْمُرَكَّبَةَ عَلَى الْأَبْوَابِ لِأَنَّ الْأَغْلَاقَ تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِيهَا لِلْبَقَاءِ وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْغَلْقِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَعْضِهِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ دُونَهُ.
قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَنَاقِدُ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّ الْكَيْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلتَّسْلِيمِ وَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَمَّا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَيْلُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَتُهُ وَكَذَا أُجْرَةُ الْوَزَّانِ وَالذَّرَّاعِ وَالْعَدَّادِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْبَيْعُ مَوْزُونًا أَوْ مَذْرُوعًا أَوْ مَعْدُودًا فَبَاعَهُ مُوَازَنَةً أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدًّا قَالَ فِي الْعُيُونِ الْكَيْلُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُبَّهُ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي وَإِذَا اشْتَرَى حِنْطَةً فِي جِرَابٍ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَفْتَحَ الْجِرَابَ فَإِذَا فَتَحَهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي إخْرَاجُهُ وَأَمَّا نَاقِدُ الثَّمَنِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَزْنِ وَالْبَائِعُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ فَيَرُدُّهُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ عَلَيْهِ الْجِيَادُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا بَعْدَهُ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ خِلَافُ حَقِّهِ فَإِنَّ النَّاقِدَ إنَّمَا يُمَيِّزُ مِلْكَهُ لِيَسْتَوْفِيَ بِذَلِكَ حَقًّا لَهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ وَازِنِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي تَعْيِينُ الثَّمَنِ لَهُ وَتَوْفِيَتُهُ لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَزْنِ فَكَانَ عَمَلُهُ لَهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي سَلِّمْ الثَّمَنَ أَوَّلًا) لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيَدْفَعُ الثَّمَنَ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا دَفَعَ الثَّمَنَ قِيلَ لِلْبَائِعِ سَلِّمْ الْمَبِيعَ) لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الثَّمَنَ بِالْقَبْضِ فَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَإِنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَإِذَا ثَبَتَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَإِذَا كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الْحَالَّ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ الْحَبْسُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ كَالِاسْتِيفَاءِ وَلَوْ اسْتَوْفَى الْبَعْضَ كَانَ لَهُ الْحَبْسُ بِمَا بَقِيَ وَلَوْ دَفَعَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَوْ تَكَفَّلَ بِهِ كَفِيلٌ لَمْ يَسْقُطْ الْحَبْسُ وَلَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ رَجُلًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ سَقَطَ الْحَبْسُ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى رَجُلٍ بِالثَّمَنِ سَقَطَ الْحَبْسُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَحَالَ بِالثَّمَنِ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْحَوَالَةِ فَصَارَ كَالْبَرَاءَةِ بِالْإِيفَاءِ أَوْ بِإِبْرَاءِ الْبَائِعِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْقُطُ الْحَبْسُ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لَمْ تَسْقُطْ فَكَانَ لَهُ الْحَبْسُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى وَلَوْ أَجَّلَهُ بِالثَّمَنِ سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ فَالْأَجَلُ سَنَةٌ مِنْ حِينِ يَقْبِضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَتْ سَنَةً بِعَيْنِهَا وَمَضَتْ صَارَ حَالًّا وَعِنْدَهُمَا الثَّمَنُ حَالٌّ فِي الْوَجْهَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ قِيلَ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْيِينِ وَبَيْعُ السِّلْعَةِ بِالسِّلْعَةِ يُسَمَّى بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ وَبَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ يُسَمَّى بَيْعُ الصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.